.
.
.
أضْوَاءُ المَدِيْنَةِ تَبْدُو مُنْطَفِئَةً قُرْبَ حَدِيْقَةِ الحَيِّ التي فِيهَا التَقَيْنَا مُنْذُ زَمَنٍ لَيْسَ بِالبَعِيْد, المَقَاعِدُ الخَشَبِيَّةُ وَكَأنَّهَا قَدْ عَقَدَتْ عَهْدًا ألاَّ تَسْتَقْبِلَ اللاجِئِيْنَ إليْهَا إلاَّ فُرَادَى بَعْدَ أنْ كَانَتْ بِالأمْسِ تَسْتَقْطِبُنَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْن, أوْجُه العَابِرِيْنَ مُقَنَّعَةٌ بِألْفِ قِنَاعٍ لإخْفَاءِ مَا خَلْفَ مَلامِحِهِمْ مِنْ حَكَايَا شِبْهِ مُكَرَرَة ,مَا زِلْتُ بِذَاتِ التَوْقِيْتِ أحْمِلُ كُلِّي إلَى تِلْكَ الحَدِيْقَةِ وَ بِذَاتِ مَقْعَدٍ أتْرِكُ عَلَيْهِ جَسَدِي ,أُحَدِّثُ نَفْسِي أقْسُو عَلَيْهَا أُوَبِخُهَا وَ أبْكِيْهَا وَ مِنْ ثَمَّ أحْنُو عَلَيَّ وَ أُرْبِتُ عَلَى كَتِفِ مَاضِيَّ بَعْدَ أنْ أنْدُبَ حَظِي المُتَعَثِرِ بِمَا عَادَ يَسْتَقْبِلُنِي بِذَاتِ المَكَانِ رَجُلاً مَا اخْتَارَهُ القَدَرُ لِي حَتَّى الآن وَ عَلَى الفُرَاقِ جُبِر.
المَقَاعِدُ بَائِسَةٌ يَائِسَةٌ مِنَ الإصْغَاءِ لأحَادِيْثِ العَابِرِيْن, وَ عَلَى المَقْعَدِ الذي اعْتَادَ أنْ أُجَالِسَهُ فِيْ كُلِّ يَوْمٍ تُجَالِسُنِي وَ تُحَدِّقُ فِيَّ عَجُوْزٌ قَدْ هَزُلَ جَسَدَهَا وَ عَاثَتِ السُنُوْنُ فِيْ تَجَاعِيْدِ وَجْهَهَا بَعْدَ أنْ شَابَ شَعْرَهَا وَ اكْتَسَاهُ بَيَاضُ المَوْتِ الذي مَا أتَى , أُحَاوِلُ أنْ أُحِيْدَ بِنَظَرِي بَعِيْدًا عَنْ رُؤْيَتِهَا, فَوَجْهُهَا وَحْدَهُ مَنْ يُعِيْدُ لِي ذِكْرَى الأمْسِ, لَكِنَّهَا تَهْمِسُ إلَيَّ بِأحَادِيْثٍ قَدْ مَضَت, فَتَنْثُرُ المِلْحَ عَلَى الجُرْحِ الذي مَا التَئَم, فَأتَمَنَّى لَوْ أنَّ بِقُدْرَتِي قَتْلَهَا أوْ إزَاحَتِهَا عَنْ مَسَارَاتِ حَيَاتِي , وَ لَكِنْ هَلْ بِقُدْرَتِنَا أنْ نَنْزِعَ وَ نَقْتُلَ ذِكْرَيَاتِنَا أوْ نُعِيْدَ تَهْيِئَة ذَوَاكِرِنَا , فَكَمْ مِنْ ذِكْرَى أنْجَبَهَا هَذَا المَكَان بَعْدَ أنْ أفْقَدَنَا.
ذَاتُ المَكَانِ الذي أُرَاوِدُهُ كُلَّ حِيْنٍ فَتَأتِي الخَيْبَاتُ دُوْنَه, فَلا هُوَ يَأتِي وَ لا أنَا التي تَعُوْدُ مِنْه, وَحْدَهَا الذِكْرَى مَنْ تُرَافِقُنِي فِيْ وِحْدَتِي وَ لَكِنَّهَا مُجَرَّدَةٌ مِنْه, وَحْدَهَا التي تَأتِي إلَيَّ دُوْنَ أنْ أطْلِبَهَا المَجِيء, كَمْ مِنَ العُهُوْدِ قَطَعْنَاهَا تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَة, وَ الآن هَا هِيَ تَشْكِي الغِيَابَ وَ تَنُوْح, أغْصَانُهَا المُوْرِقَةِ قَدْ أُصِيْبَت بِالهُزَال وَ أوْرَاقَهَا البَاسِمَةِ قَدِ امْتَلَئَتْ بِأشْبَاحِ الحُزْنِ حَتَّى اصْفَرَّ بِهَا العُمْر. كَمْ تَرَاشَقْنَا بِعَذْبِ الحَدِيْثِ قُرْبَ تِلْكَ الأرْجُوْحَةِ وَ الآنَ تَرْشِقُنِي اللحَظَاتُ بِحِجَارَةِ الفَقْدِ المُتَثَائِبِ لأُدْرِكَ أنَّنِي تَأرْجَحْتُ مَا بَيْنَ نَعِيْمِ الأمْسِ وَ جَحِيْمِ اليَوْم, كَمْ مِنْ دَعْوَةٍ أرْسَلْنَاهَا لِلسَّمَاءِ مَثْنَى مَثْنَى بِأنْ يَجْمَعَنَا الله فِي يَوْمِ الغَد, وَ حَتَّى الآن سِهَامُ دَعْوَانَا لَرُبَّمَا لَمْ تَصِلْ إلى السَّمَاء.
هَا هِيَ عَجُوْزُ الذِكْرَيَاتِ تُعِيْدُ لِي حَدَثًا أُحَاوِلُ زَجَّه فِي مَقَابِرِ النِّسْيَانِ بِأنَّه بَعْدَ أنْ دَنَا مِنِّي اللقَاءُ بِهِ وَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى تَشَكَلَت مِنْ بَعْضِ الأقَاوِيْلِ حَوَاجِزٌ بَاعَدَت بَيْنَنَا فِي المَسَافَاتِ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ تَقْنِيْنِ مَشَاعِرِي وَ اخْتِصَارِ مَسَافَاتِ نَبْضٍ وَ آخَرَ لا يَحْمِلُ إلاَّه, مَا كَانَتْ إلاَّ نِتَاجَ عُقُوْلٍ مَا زَالَتْ شِبْهَ مُنْغَلِقَة, لَمْ تُشْرِعْ أبْوَابَهَا للنُّوْرِ حَتَّى وَ نَحْنُ قَدْ تَجَاوَزْنَا الألْفِيَةَ الثَانِيَةَ تَحْتَ مُسَمَّى مَنْ يَحْمِلُ فِي جِيُوْبِ العُمْرِ ضِعْفَ العُمْرِ الذي تَحْمِلِيْن بِالحَالِ لَهُوَ أعْلَم.
وَ لَمْ يَعْلَمُوْا بِأنَّ الطِفْلَةَ القَابِعَةَ فِيَّ قَدْ مَاتَت دُوْنَ كَفَنٍ وَ مَرَاسِمَ دَفْنٍ بَعْدَ أنْ سَرَقَ مِنْهَا الزَمَانُ أنْفَاسًا تُعِيْدَهَا لِلحَيَاةِ تَارَةً أُخْرَى. فَهَلْ لِرِيَاحِ التَغْيِيرِ أنْ تَكْنِسَ مَا تَكَدَّسَ فِي بَعْضِ العُقُوْلِ فَتُزِيْلَ أغْبِرَةَ التَقَالِيْدِ العَتِيْقَة, هَلْ لِلسَحَابِ أنْ يُمْطِرَنِي بِهِ لُيُحْيِّنِي وَ يُرَمِمَ بَعْضِي بَعْدَ أنْ يَغْسِلَ حُزْنِي, كَيْفَ لِسَمَاءِ الأحْلامِ أنْ تُسْقِطَ نَيْزَكَهُ بِأرْضِي, هَلْ لِلأيَّامِ أنْ تَأتِيْنِي بِهِ أوْ أفْنَى, فَبَعْضُ المَوْتِ حَيَاةٌ وَ بَعْضُ الحَيَاةِ احْتِضَارَاتٍ تَتْرَا فَتَقْتُل كُلَّ نَبْضَةٍ فِيْنَا وَ تُوْرِدُهَا الثَّرَى.
رَحَلَ مُجْبَرًا وَ تَرَكَنِي أُحَاوِرُ كُلَّ الأشْيَاءِ التي جَمَعَتْنَا ذَاتَ يَوْم, تَرَكَنِي مَعَ أُرْجُوْحَتِنَا مَقْعَدِنَا وَ تِلْكَ الشَّجَرَة التي نَسْتَظِلُّ بِهَا, رَحَلَ وَ تَرَكَنِي مَعَ عَجُوْزِ الذِكْرَيَاتِ تُؤرِقُ يَوْمِي وَ تُضَاعِفُ حَجْمَ جُرْحِي, رَحَلَ وَ الحَنِيْنُ إلَيْهِ مَازَالَ يَجْتَرُّ الأمْس, تَرَكَنِي مَعَ ذَاكِرَةٍ هَزِيْلَةٍ إلاَّ مِنْهُ وَ قَلَمٍ قَدِ انْتَهَى مِنْهُ أُكْسِجِيْن الحَيَاةِ وَ مَا عَادَ يَسْتَنِيْخُ عَلَى صَدْرِ الوَرَقِ إلاَّ رَهَقَا, وَ آهٍ عَلَيَّ بَعْدَمَا انْقَشَعَتِ الغَمَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ وَ أبْصَرْتُ حَقِيْقَة الفُراق.
.
المَقَاعِدُ بَائِسَةٌ يَائِسَةٌ مِنَ الإصْغَاءِ لأحَادِيْثِ العَابِرِيْن, وَ عَلَى المَقْعَدِ الذي اعْتَادَ أنْ أُجَالِسَهُ فِيْ كُلِّ يَوْمٍ تُجَالِسُنِي وَ تُحَدِّقُ فِيَّ عَجُوْزٌ قَدْ هَزُلَ جَسَدَهَا وَ عَاثَتِ السُنُوْنُ فِيْ تَجَاعِيْدِ وَجْهَهَا بَعْدَ أنْ شَابَ شَعْرَهَا وَ اكْتَسَاهُ بَيَاضُ المَوْتِ الذي مَا أتَى , أُحَاوِلُ أنْ أُحِيْدَ بِنَظَرِي بَعِيْدًا عَنْ رُؤْيَتِهَا, فَوَجْهُهَا وَحْدَهُ مَنْ يُعِيْدُ لِي ذِكْرَى الأمْسِ, لَكِنَّهَا تَهْمِسُ إلَيَّ بِأحَادِيْثٍ قَدْ مَضَت, فَتَنْثُرُ المِلْحَ عَلَى الجُرْحِ الذي مَا التَئَم, فَأتَمَنَّى لَوْ أنَّ بِقُدْرَتِي قَتْلَهَا أوْ إزَاحَتِهَا عَنْ مَسَارَاتِ حَيَاتِي , وَ لَكِنْ هَلْ بِقُدْرَتِنَا أنْ نَنْزِعَ وَ نَقْتُلَ ذِكْرَيَاتِنَا أوْ نُعِيْدَ تَهْيِئَة ذَوَاكِرِنَا , فَكَمْ مِنْ ذِكْرَى أنْجَبَهَا هَذَا المَكَان بَعْدَ أنْ أفْقَدَنَا.
ذَاتُ المَكَانِ الذي أُرَاوِدُهُ كُلَّ حِيْنٍ فَتَأتِي الخَيْبَاتُ دُوْنَه, فَلا هُوَ يَأتِي وَ لا أنَا التي تَعُوْدُ مِنْه, وَحْدَهَا الذِكْرَى مَنْ تُرَافِقُنِي فِيْ وِحْدَتِي وَ لَكِنَّهَا مُجَرَّدَةٌ مِنْه, وَحْدَهَا التي تَأتِي إلَيَّ دُوْنَ أنْ أطْلِبَهَا المَجِيء, كَمْ مِنَ العُهُوْدِ قَطَعْنَاهَا تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَة, وَ الآن هَا هِيَ تَشْكِي الغِيَابَ وَ تَنُوْح, أغْصَانُهَا المُوْرِقَةِ قَدْ أُصِيْبَت بِالهُزَال وَ أوْرَاقَهَا البَاسِمَةِ قَدِ امْتَلَئَتْ بِأشْبَاحِ الحُزْنِ حَتَّى اصْفَرَّ بِهَا العُمْر. كَمْ تَرَاشَقْنَا بِعَذْبِ الحَدِيْثِ قُرْبَ تِلْكَ الأرْجُوْحَةِ وَ الآنَ تَرْشِقُنِي اللحَظَاتُ بِحِجَارَةِ الفَقْدِ المُتَثَائِبِ لأُدْرِكَ أنَّنِي تَأرْجَحْتُ مَا بَيْنَ نَعِيْمِ الأمْسِ وَ جَحِيْمِ اليَوْم, كَمْ مِنْ دَعْوَةٍ أرْسَلْنَاهَا لِلسَّمَاءِ مَثْنَى مَثْنَى بِأنْ يَجْمَعَنَا الله فِي يَوْمِ الغَد, وَ حَتَّى الآن سِهَامُ دَعْوَانَا لَرُبَّمَا لَمْ تَصِلْ إلى السَّمَاء.
هَا هِيَ عَجُوْزُ الذِكْرَيَاتِ تُعِيْدُ لِي حَدَثًا أُحَاوِلُ زَجَّه فِي مَقَابِرِ النِّسْيَانِ بِأنَّه بَعْدَ أنْ دَنَا مِنِّي اللقَاءُ بِهِ وَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى تَشَكَلَت مِنْ بَعْضِ الأقَاوِيْلِ حَوَاجِزٌ بَاعَدَت بَيْنَنَا فِي المَسَافَاتِ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ تَقْنِيْنِ مَشَاعِرِي وَ اخْتِصَارِ مَسَافَاتِ نَبْضٍ وَ آخَرَ لا يَحْمِلُ إلاَّه, مَا كَانَتْ إلاَّ نِتَاجَ عُقُوْلٍ مَا زَالَتْ شِبْهَ مُنْغَلِقَة, لَمْ تُشْرِعْ أبْوَابَهَا للنُّوْرِ حَتَّى وَ نَحْنُ قَدْ تَجَاوَزْنَا الألْفِيَةَ الثَانِيَةَ تَحْتَ مُسَمَّى مَنْ يَحْمِلُ فِي جِيُوْبِ العُمْرِ ضِعْفَ العُمْرِ الذي تَحْمِلِيْن بِالحَالِ لَهُوَ أعْلَم.
وَ لَمْ يَعْلَمُوْا بِأنَّ الطِفْلَةَ القَابِعَةَ فِيَّ قَدْ مَاتَت دُوْنَ كَفَنٍ وَ مَرَاسِمَ دَفْنٍ بَعْدَ أنْ سَرَقَ مِنْهَا الزَمَانُ أنْفَاسًا تُعِيْدَهَا لِلحَيَاةِ تَارَةً أُخْرَى. فَهَلْ لِرِيَاحِ التَغْيِيرِ أنْ تَكْنِسَ مَا تَكَدَّسَ فِي بَعْضِ العُقُوْلِ فَتُزِيْلَ أغْبِرَةَ التَقَالِيْدِ العَتِيْقَة, هَلْ لِلسَحَابِ أنْ يُمْطِرَنِي بِهِ لُيُحْيِّنِي وَ يُرَمِمَ بَعْضِي بَعْدَ أنْ يَغْسِلَ حُزْنِي, كَيْفَ لِسَمَاءِ الأحْلامِ أنْ تُسْقِطَ نَيْزَكَهُ بِأرْضِي, هَلْ لِلأيَّامِ أنْ تَأتِيْنِي بِهِ أوْ أفْنَى, فَبَعْضُ المَوْتِ حَيَاةٌ وَ بَعْضُ الحَيَاةِ احْتِضَارَاتٍ تَتْرَا فَتَقْتُل كُلَّ نَبْضَةٍ فِيْنَا وَ تُوْرِدُهَا الثَّرَى.
رَحَلَ مُجْبَرًا وَ تَرَكَنِي أُحَاوِرُ كُلَّ الأشْيَاءِ التي جَمَعَتْنَا ذَاتَ يَوْم, تَرَكَنِي مَعَ أُرْجُوْحَتِنَا مَقْعَدِنَا وَ تِلْكَ الشَّجَرَة التي نَسْتَظِلُّ بِهَا, رَحَلَ وَ تَرَكَنِي مَعَ عَجُوْزِ الذِكْرَيَاتِ تُؤرِقُ يَوْمِي وَ تُضَاعِفُ حَجْمَ جُرْحِي, رَحَلَ وَ الحَنِيْنُ إلَيْهِ مَازَالَ يَجْتَرُّ الأمْس, تَرَكَنِي مَعَ ذَاكِرَةٍ هَزِيْلَةٍ إلاَّ مِنْهُ وَ قَلَمٍ قَدِ انْتَهَى مِنْهُ أُكْسِجِيْن الحَيَاةِ وَ مَا عَادَ يَسْتَنِيْخُ عَلَى صَدْرِ الوَرَقِ إلاَّ رَهَقَا, وَ آهٍ عَلَيَّ بَعْدَمَا انْقَشَعَتِ الغَمَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ وَ أبْصَرْتُ حَقِيْقَة الفُراق.
.
رُبَّمَا أتَت أُقْصُوْصَتِي مِنْ مُدُنِ الخَيَالِ, فَاسْتَقْبِلُوْهَا
.
مَخَاضٌ أوَّل فِي وِلادَةِ قِصَة
15-11-1432 هـ
.
مَخَاضٌ أوَّل فِي وِلادَةِ قِصَة

15-11-1432 هـ
||